تعريف علم النفس الاجتماعي عند نيكولا فيشر

 الإنسان الاجتماعي:[1]






      الإنسان كائن اجتماعي، ظهرت هذه النظرية الجديدة مع بروز العلوم الاجتماعية خلال القرن التاسع عشر،حيت عرفت هذه الفترة تحولات اقتصادية وصناعية واجتماعية، واهتمت هده العلوم بوضع تساؤلات حول تفسير الظواهر الاجتماعية،مبنية (التساؤلات )،على ما هو روحي (الاهي )،او طبيعي ،علم جديد تشكل حول ما هو اجتماعي كواقع خارجي عنا ،ولكن ايضا داخلي فينا،انه من وجهة النظر هذه يمكننا الحديث عن الانسان الاجتماعي . ما هي المميزات الرئيسية التي يمكن استخراجها من التصورات المؤسسة لعلم الاجتماع (weber ;Marx ;durkheim;comte)،مقارنة مع التصورات المؤسسة لعلم النفس الاجتماعي الحديث (tarde، le bon، Freud).
    comte الدي يعتبر مؤسس لعبارة الاجتماع حسب Gurvitch يقدم الانسان الاجتماعي داخل اطار الجماعة، اي ان الحياة في الجماعة تشكل حسبه اساس الواقع الاجتماعي،حيت ان الوجود الاجتماعي لكل شخص متجدر في عدد من المؤسسات تحتل فيها الاسرة مكانة اساسية من منطق ان الانسان الاجتماعي (حسب تصور كونت)،متموقع في مجتمع يتكون من العائلات وليس الافراد، فالمجتمع ادن "الة منظمة" تسير بنفس القوانين التي
تسير بها الطبيعة . 
    التواجد الاجتماعي للانسان محدد ادن مميزات حالة كل مجتمع عبر التاريخ، بمعنى بواسطة العلاقة الظيقة بين الحالة الدهنية لمجتمع واطاره المؤسساتي ووظيفته الاجتماعية ، في الحالة الايجابية، الانسان الاجتماعي يعرف بواسطة مظهرين :
  ككائن منطقي منطمس في تاريخ الإنسانية، لكن أيضا كائن اعتقادي (له اعتقادات ).
القول بأنه كائن ايجابي يعني انه لايستطيع أن لا يكون غير نشيط في مواجهة تحولات المجتمع.
     التصور الدي طوره دوركهايم حول مكانة الانسان الاجتماعي تحيل على فهم جديد للمجتمع،ليس الافراد المنعزلين هم الدين يؤسسون المجتمع ، فللمجتمع وجود خاص،بل يسبق وجود الافراد . حسب دوركهايم، ما يواجهه المختص في علم الاجتماع اولا هو المجتمع ثم مؤسساته،حيث ان وظيفتها لا تتعلق فقط بسلوكات الافراد فكل مجتمع يحتوي ومبني على ظاهرتين اساسيتين: الظمير الجمعي وتقسيم العمل،وهما مرتبطتين بعلاقة ضيقة،غير ان اهميتهما تتغير عبر التاريخ حيث في المجتمعات التقليدية كان الضمير الجمعي قويا وتقسيم العمل ضعيفا،وفي المجتمعات الصناعية نجد الضمير الجمعي ضعيفا وتقسيم العمل قويا.
 فكل مجتمع حسب دوركهايم هو كائن نفسي وأخلاقي مركب من الاعتقادات وتمثلات تخلق الحياة الجماعية، هدا الواقع ينتج بواسطة العلاقات الاجتماعية.
   داخل هدا الإطار يمكننا فهم تصور مفهوم الانسان الاجتماعي؛ فهدا الاخير معرف ككائن في إطار شبكة من العلاقات الاجتماعية معرضة للاكراهات.يجب على كل فرد يدخل في نظام من القواعد والمعايير التي يجب عليه احترامها،والا سيخضع للعقوبات،العلاقات الاجتماعية هده مميزة ايضا بالتضامن بين اعضاء المجتمع هنا نتحدث عن بعد من الاستدامة في الرابطة الاجتماعية.
  فدراسة الانسان والمجتمع تتم عبر تحليل الظاهرة الاجتماعية، بمعنى طرق الفعل وطرق التفكير والاحاسيس المتواجدة خارج الضائر الجمعية (دوركهايم 1895).
    اراد دوركهايم تفسير الظاهرة الاجتماعية كمعطى قهري للسلوك الفردي،بعبارة اخرى تعتبر الظواهر الاجتماعية ، فارغة من كل المظاهر الفردية. حسبه، هناك ميزة موضوعية تسمح بمعرفة الظاهرة الاجتماعية، هي القهر (الاكراه).القهر هو الكيفية التي نحن عليها، السلوكات المفروضة علينا ، العقوبات المعرضين لها ادا ما خالفناها.الظاهرة الاجتماعية تتميز ايضا كظاهرة مثالية (نموذجية )،يعني هدا ان السلوكات المتبعة من طرف الافراد هي هده الظاهرة لان هده السلوكات المرغوبة اكثر من غيرها، كدلك فان القيم الموجودة في المجتمع تؤثر على افعالنا. في هدا المنحى فهي تمثل ظاهرة اجتماعية لانها نتاج ميولات ما ثم استيحائه من الافراد ومن المجتمع.
     بشكل اخر،اراد دوركهايم دراسة الظواهر الاجتماعية كاشياء وملاحظتها من الخارج لان الواقع الاجتماعي لايمكن معرفته بواسطة الاستبطان الخالص.
  ادن يجب اولا التجرد من المفاهيم القبلية بمعنى من جميع الافكار المكونة قبليا، وبعد دلك ملاحظة الظواهر الاجتماعية من الخارج، اي اعتماد الموضوعية التي تسمح برصد الظاهرة الاجتماعية مع تفادي ادخال وجهة نظر الباحث، علاوة على دلك الملاحظ تحت هده الزاوية، هو التواجد المستقل. يجب التركيز على فهم الواقع الاجتماعي "كشئ"، فدوركهايم لا يلقي تاثير الضمير الى صف ما هو تانوي (بمعنى ان الضمير مؤثر في الظاهرة الاجتماعية )، يبين في هدا الاطار في مقال له سنة 1898، حول التمثلات الفردية والتمثلات الجماعية، على ان الافراد باعتبارهم اعضاء في المجتمع يتقاسمون عددا من الافكار والاعتقادات وكنتيجة لدلك كل ما هو اجتماعي فهو مرتبط بالتمثلات .
      استنتج من دراسته جول الانتحار سنة 1897 ، معطى اخر هو ان الانتحار يفسر من طرف البعض بعناصر بيئة المجتمع، فلاحظ ايضا ان العزاب ينتحرون اكثر مقارنة مع المتزوجين، على سبيل المثال سلطة المعطيات التي توصل اليها الضوء على حقيقة ان فعل الانتحار الدي هو فردي يمكن ان يكون مرتبط بالتفكك الاجتماعي ، بغياب الدعم المؤسساتي، بمعنى بفشل العناصر الاجتماعية التي تعتبر بنائية للفرد.
      يسمح نهج دوركهايم الدي يهدف بشكل واسع الى تفسير الظواهر الاجتماعيىة بعوامل اخرى سيكولوجية وفردية، بابراز القطبين حولهما ينبني علم النفس الاجتماعي (الحديث)،قطب علم الاجتماع من جهة وقطب علم النفس الاجتماعي من جهة اخرى.
      بالنسبة لماركس ، لا يمكن فهم الانسان الاجتماعي الا انطلاقا من العلاقات الاجتنماعية التي تجدده في اطار بنية معينة، فالعلاقات الاجتماعية هي علاقات انتاجية مجموعها يمثل بنية المجتمع، لمختلف هده العلاقات الاجتماعية تتبلور اشكال الضمير الاجتماعي، هدا ما سمح لماركس تاكيد ان "ليس ضمير الناس هو من يحدد وجودهم الاجتماعي، بل تواجدهم الاجتماعي هو الدي يحدد ضميرهم".
       فالأشخاص أساسا يعتبرون ويحددون من خلال العلاقات الاجتماعية باعتبارها علاقات الإنتاج لكنه يكون حائرا: فالإنسان الاجتماعي هو أساسا إنسانا حائرا من حيث انه مسلوب الإرادة ومن حيث كون ضميره حول ما هو عليه يعتبر ضميرا خاطئا، بمعنى ضميرا ضبابيا، من خلال عدم امتلاكه لمعنى ظروفه الموضوعية.
   من منطلق ادماجه في علاقات محددة ضرورية ومستقلة عن ارادته، فان الانسان الاجتماعي ينتج وجوده الاجتماعي انطلاقا من تحديد مكانته الاجتماعية. فهده المكانة الماخودة في دينامية اجتماعية تكشف ميزة متناقضة لمختلف الوضعيات والعلاقات الاجتماعية بشكل عام من خلال انتماء كل فرد لطبقات اجتماعية، هده الدينامية يتم التعبير عنها بواسطة الصراع الطبقي.
    تفسير ماركس يقدم الإنسان الاجتماعي داخل إطار تصوري للمجتمع المعرف كسيرورة، بمعنى مجموع العلاقات الاجتماعية المتصارعة.
     إلى جانب علم الاجتماع الدي يعتبر علم المجتمع، تشكل في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نوع اخر من التفسير الدي يسعى الى فهم العلاقات المتواجدة بين ما هو فردي وما هو اجتماعي والدي انطلق بشكل دقيق من السؤال "لمدا يغير الفرد سلوكه عند تواجده في وضعية جماعية كالحشد مثلا" ؟، من هنا قام tarde بدراسة الانسان الاجتماعي سنة 1903، حيت انطلق من مقاربة سيكولوجية لتفسير الظواهر الاجتماعية بالنسبة للجانب النفسي، هو سيرورات دهنية فردية تتميز بتشابهها لانها نتيجة تكرارات مرتبطة بالعادات الناتجة عن التقليد. ايضا بالنسبة ل tarde ، هناك ظاهرتين سيكولوجيتين اساسيتين: الابداعية: كسيرورة ابداعية للافكار والانشطة الجديدة والتقليد الدي ينشر هده الافكار . التقليد حسب  tarde، عامل محدد في تفسير الظواهر الاجتماعية، اصبح بالنسبة له عامل مفسر للحياة الاجتماعية كما هي. tarde، ميز عدة اشكال من التقليد: التقليد التقليدي الدي ينتقل من جيل لاخر، تقليد الموضة وتقليد عرفي، لهده التقاليد التلاثة نفس طريقة التعبير: يقلد الافراد الاشخاص الدين لديهم سلطة، هيبة، مكانة عالية، بمعنى الدين يعتبرون نمودجا، ادا فالتقليد هو الدي يسمح بدراسة علاقة الشخص بالاخرين،  فالتقليد حسب tarde، هو الدي يشكل الموضوع الحقيقي لما سماه علم النفس البيندهني . وبتاسيسه على التقليد، اعاد tarde، تعريف علم الاجتماعى كعلم غير موجه للظواهر الموضوعية، وانما مئسسا على ظواهر الحياة الاجتماعية انطلاقا  من العلاقات بين الاشخاص والتي تكون دائما مطبوعة بقليد احداها للاخرى.
         في فرنسا، يمكن القول ان علم النفس الاجتماعي ولد مع اعمال تارد بالنسبة له فهو علم النفس البندهني موضوع دراسته هي علاقة الانسان مع الاخرين، بمعنى مع كائنات لها معتقدات وتطلعات شبيهة بالتي لديه.
     أتى le bon ، سنة 1985،بمساهمة اخرى في علم النفس الاجتماعي الحديث هدا، حيث انه اهتم بوضعية جماعة فردية مرتبطة بالحشد، واهتم خصوصا بفهم سلوكات الفرد في هدا السياق: هل يفكر، يحس ويتصرف بشكل مختلف عما ادا كان مستقلا ومنعزلا .
      عالج الحشد كواقع جمتعي لكنه مركب من مجموع السلوكات الفردية، فلاحظ تغييرين مهمين على مستوى الفرد فيما يخص علم النفس الفردي: تجمع الحشد يعطي للافراد مميزات تختلف عن مجموع مميزات وسلوكاتهم وهم مستقلين، يتصرف الافراد في الحشد بشكل مختلف عن الشكل الدي يتصرفون به وهم منعزلين.



    ان اي حشد بسيط هو مكون لواقع جديد يسمى الضمير الجمعي يعبر عنه بقوانين خاصة من ضمنها : هيمنة الظواهر الودية التي تخلق سلوكات وحالات ضمير تميل الى تطوير وضعيات متفق عليها بالاجماع حول الاهداف وطرق تغيير متشابهة ومتطابقة.
     انتشار الأحاسيس، والانفعالات(حالات الضمير)، بين اعضاء الحشد تولد ما سماه LE BON، بظاهرة العدوى الدهنية، والتي بدورها تغدي انتشار سرعة الاحاسيس والانفعالات داخل الحشد. والميل الى التبسيط في طرق التفكير (التفكير المنطقي ) ، وهيمنة العوامل الغريزية والعاطفية في طرق التعبير كما يمكن ملاحظة ان الحشود تعبر بطريقة متميزة بواسطة الشعارات .
     ان ملامح بوادرسلوك الفرد الموجود داخل الحشد تتميز بتبدد الشخصية مما يؤدي الى فقدان حس المسؤولية وهيمنة ردود افعال اندفاعية، حيث يكون الفرد منغمسا داخل التكتل مما يجعله يفقد حسه الانتقادي. كما ان سلوك الفرد يتغير بشكل كبير بسبب ولوجه داخل الحشد الدي يعتبر كواقع فوضوي غير منظم لا يمكن التنبؤ به .
      مظهر اخير تحدث عنه لوبون هو : اعتبار القاصرين المتواجدين بحشد ما بمثابة محركين ومحفزين للظواهر الجماعية.
         اهتماما بالمظاهر السيكولوجية المتغيرة في وضعية اجتماعية، اعطى لوبون تفسير سيكولوجي للظواهر الجماعية كونها مستقلة نسبيا عن المميزات الفردية لكل شخص.
  ساهمت اعمال tarde et le bon، باعطاء توضيح لوضعيات اجتماعية ودلك بشرح الظواهر الاجتماعية بواسطة عوامل سيكولوجية.
      في السنوات التي نشر فيها لوبون كتابه حول سيكولوجية الحشود ظهر في المانيا كتاب لفونت حول علم النفس الشعوب la psychologie des peoples.
فونت باعتباره مؤسس علم النفس التجريبي ومن اجل فهم ما قدمه، من المناسب موقعة هذا العلم في تصور علم النفس الدي طوره فونت. فقد عرف علم النفس التجريبي كعلم التجربة الانية بمعنى العلم الدي يختبر المحتوى الكامل للتجربة في علاقتها مع الفاعل. فالتجربة ادا هي الوسيلة الوحيدة للمعرفة بواسطتها لا نرى الاشياء كما هي ، ولكن نرى المظاهر والظواهر، ادن علم النفس لا يعتمد على الاشياء وانما على الظواهر النفسية. ميز فونت بين صنفين كبيرين من الظواهر النفسية: ظواهر نفسية غير منتظمة لا تتكرر بنفس الطريقة وبالتالي يجب اخضاعها للتجربة.وظواهر نفسية منتظمة تتكرر بشكل منتظم وبالتالي يمكن ان نطبق عليها طريقة الملاحظة. وفي اطار هدا الصنف من الظواهر موقع فونت المظاهر الاجتماعية المرتبطة بالجانب النفسي للانسان، والتي يتم التعبير عنها في سيكولوجية الحشود.
 لذلك قسم فونت علم النفس العلمي الى فرعين اساسيين: علم النفس التجريبي وعلم النفس الشعوب، هذا الاخير يعتمد على وصف وشرح وتفسير وتكوين اللغات والاعراف والاخلاق ... اي تكوين الوظائف النفسية العليا.
  ركز فونت على هدا التصور غير انه تخلى عن مفهوم "الضمير الجماعي" Allgeist ليعرف علم النفس الشعوب على انه : الدراسة التي تقوم على استخراج القوانين والمبادئ العامة لتفسير الظواهر الاجتماعية (اللغة، الاساطير، الاعراف ....).
      "الاهمية الاساسية في تصور فونت هي ان علم النفس يواجه ظواهر لا تاخد مصدرها من النشاط النفسي للفرد ، ولكن من ضمير الناس"، او من ضمير الامة ، خلافا لما اتى به tarde et le bon. يبين تصور فونت انه داخل تطور علم النفس قد تم تناول الظواهر الاجتماعية كتظاهرات اجتماعية للجانب النفسي للانسان.
   واخيرا يجب ربط بدايات علم النفس الاجتماعي في اوربا مع وجهات النظر التي اعطاها التحليل النفسي لوظيفة ما هو "اجتماعي". ولهذا الموضوع مظهرين اساسيين بالنسبة لفرويد : تفسير التحليل النفسي للظواهر الاجتماعية اعتمادا على حياة الشعوب البدائية وباعتماد مفاهيم الطوطم والطابو، ثم القيام بتفسير لمؤسستي الكنيسة والجيش،عن طرق الروابط الليبيدية التي تتقاطع فيها هاتين المؤسستين.
    في دراسة حياة الشعوب البدائية ، وضح فرويد كيف يفرض الحظر والمنع على الطابوهات، والتي تعتبر اساسية في وظيفة اجتماعية، لانها هي اساس الالتزام والضمير الاخلاقي (1912_1913). فالعنصر الاساسي للطابو يتجل في منع المس ببعض الاشخاص او بعض الاشياء ،هدا المنع يمكن ان يطال التواصل الفعلي او حتى الدخول في علاقة اجتماعية معهم. في مواجهة الطابو فالملاحظ ان الافراد يتعاملون معها بتصرفات متناقضة حيث تكون لديهم رغبة في تجاوز الفعل المحظور، لكن في نفس الوقت يطورون خوفا اتجاهه. بالنسبة لفرويد فان الطابوهات قناع لرغبات مكبوتة والتي اصبحت لا شعورية. فالطابو اتجاه الرئيس ( او الزعيم)، هو تعبير عن رغبة مكبوتة للحصول على نفس الامتيازات مثله، اي اخد مكانته.

بالنسبة للطوطم: يمكن ان يكون موضوعا كما يمكن ان يكون كائنا حيا (غالبا حيوانا) يعتبر كسلف مشترك ويتم اعتباره كرمز لوحدة العسيرة، (بييجون 1979) . ففي الشعوب البدائية يلعب هذا الطوطم دور الاب الروحي الذي تم قتله من طرف ابناءه، والذي يتم اختيار حيوان ليحل محله، حيث يجب عدم المساس به او اصابته بأذى او قتله. حسب فرويد فان هذا الفعل يظهر في هذه المجتمعات نظام اجتماعي جديد، قانون اخلاقي ودين جديد من منطق مظهرين اساسيين للطوطم هما منع قتل الحيوان المقدس و قانون الزواج خارج القبيلة.
      انطلاقا من دراسته لهذا الموضوع يعتبر فرويد ان الحياة الاجتماعية جهاز من قمع الدوافع التي تتوارث بين الاجيال بمنطق اثار الذاكرة التي ترسخت في موروثنا القديم، يضيف فرويد في هذا الصدد: ”يمكننا علاج الشعوب بنفس طريقة علاج الفرد العصابي” (1937) . بالنسبة له الواقع الجماعي هو ناتج عن السيرورات النفسية التي يتعرض لها الافراد بطريقة قهرية والتي توجههم داخل المجتمع.
     في تحليل أخر لوظيفة الحشدين المنظمين بشكل عال، الكنيسة والجيش، اتى فرويد بتوضيح اخر حول كيفية اشتغال ما هو اجتماعي (1921).
     يعتبر ان اشتغال التنظيمات يعتمد على وهم اساسي هو ان اعضاء هذه التنظيمات يعتبرون ان رئيسهم يحبهم كما يحبونه، فالرئيس باعتباره موضوع الحب هو واقع الامر شخصية مثالية فالاعضاء هم من يعطونه جميع المؤهلات التي يحبون ان يجدونها فيه ويحاولون تقمصه والتشبه به، فالرئيس هو الشخصية المثالية للانا.
     هناك ميزة اخرى تتعلق بانواع العالقات الموجودة بين الاعضاء، هؤلاء يطورون بينهم روابط عاطفية تضامنية بالتساوي، لكن هذه الروابط هي نواتج حي مسلوب من كل ما هو جنسي. بشكل اخر، هذه العلاقات بين الاعضاء، في المؤسسات، تتطلب التسامي عن الدوافع الجنسية.
     وفي مظهر اخير لاشتغال الحشود تكون العلاقات الموجودة داخل هذه الحشود غامضة ومتناقضة بحيث تتكون من الحب والكراهية، فان كان الرئيس موضوعالحب فان له في نفس الوقت مشاعر عدائية مكبوتة في اللاوعي (اللاشعور)
    انطلاقا من دراسته للبنيات المنظمة (الجيش والكنيسة) قدم فرويد توضيحا حول الاشتغال الاجتماعي الذي يفسر بواسطة سيرورة نفسية لاشعورية، مثل التقمص. كما يقدم ايضا تفسيرا للحياة الجماعية انطلاقا من اهمية هذه الميكانزمات.
       يبين توجه الأعمال التي أتينا على ذكرها، الشروط التي تم فيها التعبير عن الاشكال الاولى للمعرفة السيكوسوسيولوجية، فهذه المعرفة لم تشكل بعد مجالا محددا بوضوح لكن كانت طريقة من اجل الوقوف على بعض مظاهر الحياة الجماعية التي تمنح اهمية للعناصر السيكولوجية تارة وللعناصر السوسيولوجية تارة اخرى، وذلك من أجل تفسير الظواهر الاجتماعية.
   على اساس هذه القواعد يمكننا استخراج بعض المظاهر العامة للمقاربة السيكوسوسيولوجية المتعلقة بفهم الانسان الاجتماعي.
         اولا واساسيا، يجب تفسير الانسان في واقعه ككائن اجتماعي ويجب دراسة الظواهر والظروف الانسانية كما هي منظمة اجتماعيا حتى في التعبير عنها. كنتيجة، فما هو اجتماي لا يشكل اضافة لما هو نفسي، وما هو نفسي لا يوجد خارج اطار ما هم اجتماعي.
       من اجل فهم المقاربة السيكوسوسيولوجية يجب التخلي عن النظرة ثنائية التفرع التي يتواجد الفرد في احد طرفيها في حين يتواجد المجتمع في الطرف الاخر، هذين الكيانين منفصلين لكنهما في نفس الوقت مرتبطين بقوة بواسطة رابط خارجي وناظم. في هذه الحالة وظيفة علم النفس الاجتماعي هي التوفيق بين مفهومين متعارضين هنا السيكولوجي والجماعي، لذلك فعلم النفس الاجتماعي يتم تعريفه كطريقة تفكير ومزج ما هو فردي بما هو اجتماعي، كوحدة متعايشة بواسطة السيرورات السيكولوجية واليرورات الاجتماعية، في هذا المنحى يتم بناء ما هو اجتماعي بواسطة السيرورات النفسية وفي نفس الوقت فان الفرد يعتبر في واقعه كائن اجتماعي، حيث ان البعد الاجتماعي ليس هو الاضافة التي تزين الجاني السيكولوجي. علم النفس الاجتماعي يتناول الفرد ككائن بشري في طبيعته انطلاقا من انه ناتج عن العلاقات الموجودة في حياته الذي هو منتج فيها لواقعه الخاص انطلاقا منها (اي من حياته).
      تنتظم المقاربة السيكوسوسيولوجية حول فكرة العلاقة الاجتماعية، لكن بالنسبة لعلم النفس الاجتماعي فان مضمون مفهوم العلاقة يجب ان يكون دقيقا ومحددا، فالعلاقة لا تتوافق مع سيرورة ربط طرفين او قطبين مختلفين بهدف عقدهما بطريقة او باخرى. بل بالعكس فالعلاقة الاجتماعية تفسر كعقدة علافات، حيث يقوم الاخصائي النفسي الاجتماعي بملاحظة التعايش المستمر بين ما هو نفسي وما هو اجتماعي. بمعنى اخر علم النفس الاجتماعي يعرف ما هو اجتماعي كواقع علائقي في طبيعته وفي طرق تعبيره، فالحياة العائلية والحياة في العمل هي وقائع اجتماعية لها قواعدها ولها طرق تنظيمها، لكن هناك من التفاعلات ومن طريقة العمل ومن الميكانزمات التراتبية ما يكشف لنا عن مميزاتها الاجتماعية كسيرورة انتاج لبعض الاشكال الخاصة من العلاقات.
     فكرة العلاقة في علم النفس الاجتماعي لا يمكن اختزالها في مفهوم مشترك اي في العلاقة البينشخصية. هذه العبارة توحي على انحرافين مهمين: نعتبر في هذا المعنى فكرة العلاقة، يكون الفرد على علاقة سطحية مع الاخر اكثر منه ان يدخل في علاقة معه. هذا يؤدي الى رؤية العلاقات الاجتماعية كتراص (الواحدة فوق الاخرى) من العلاقات البينشخصية من وجهة نظر سيكوسوسيولوجية، في المقابل ففكرة العلاقة الاجتماعية هي سيرورة علائقية على اعتبار انها تمارس عبر اشكال خاصة كاضغوطات والمعايير الاجتماعية.
         فعلم النفس الاجتماعي هو مقاربة تكاملية للواقع الجتماعي باعتبار ان العلاقة بين البعد الفري والبعد الاجتماعي كعقدة ربط غير قابلة للفصل، من هذا المعطى فهي تسلط الضوء على الطبيعة العميقة لهذه العلاقة باعتبارها علاقة صراعية، فموسكوفيسي (1984) عرف علم النفس الاجتماعي انطلاقا من هذه النقطة (علاقة صراعية) باعتباره علم الصراع بين الفرد والمجتمع. هذه البعد الصراعي يشير الى ان الظواهر الاجتماعية لها اشتغالات نوعية، والتي يصعب فهمها اذا قمنا باختزالها في تفسيرات مرتبطة بالعوامل الفردية او الشخصية او مرتبطة ببنية مجردة متعلقة بهذه العوامل. كذلك فالمقاربة السيكوسوسيولوجية تكمن في هذا التوضيح الخاص الذي ينظر الى ما هو اجتماعي كعقدة علائقية بين ما هو فردي وما هو جماعي، من منطلق ان الفرد من جهة يعبر في تصرفاته الفردية (الخاصة به) عن العالم الاجتماعي الذي قام ببنائه ويعيش فيه باستمرار، ومن جهة اخرى فان المجتمع سيكون في مواجهة التصرفات التفاعلية للافراد.
ولكن في نفس الوقت طبيعة ما هو اجتماعي تكمن في هذا التعايش وهذه الصلابة بين ما هو فردي تجاه ما هو جماعي، وبين ما هو جماعي تجاه ما هو فردي اي في الصراع الذي بينهما مع تسليط الضوء ايضا على بعد اساسي للواقع الانساني والاجتماعي.
بعد استخراج بعض مميزات المقاربة السيكوسوسيولوجية، يمكننا الان اعطاء تعريف لعلم النفس الاجتماعي.
     علم النفس الاجتماعي هو العلم الذي يدرس التصرفات الانسانية والظواهر الاجتماعية كسيرورات علائقية لا يمكن الفصل بين ما هو نفسي وما هو جماعي داخلها. بشكل اكثر دقة، يتم اعتبار كل فرد في واقعه كائن اجتماعي ويتم تفسير وتحليل تصرفاته على اساس انه يعبر عنها باشكال مختلفة من العلاقات المحددة بمستويات الاشتغال، منها التاثير، التمثل والتواصل والتي تعتبر الاكثر بروزا.
هذا التعريف يسلط الضوء على النقاط التالية:
  علم النفس الاجتماعي يفسر اولا التصرفات الاجتماعية كظواهر علائقية، بعبارة اخرى فان ما يصادف الاخصائي النفسي الاجتماعي هو شكل اساسي من العلاقات التي تتحدد بواسط التاثير الاجتماعي، ذلك التاثير الذي نمارسه يوميا على بعضنا البعض، فالضغوطات المختلفة بدورها تحددنا وتحدد الى من نمتثل في اغلب الوقت ومن يمكن ان نقاوم.
       * علم النفس الاجتماعي يدرس ايضا العلاقات الاجتماعية باعتبارها منظمة بواسطة بناءات معرفية يتم التعبير عنها بواسطة المعتقدات، الصور النمطية والاحكام المسبقة، هذه الاشكال المختلفة من التمثلات التي نكونها عن الغير وعن الواقع، هي التي تشكل علاقتنا بالوسط الذي نعيش فيه.
       * علم النفس الاجتماعي يتطرق اخيرا للعلاقات الاجتماعية انطلاقا من دراسة مختلف ميكانزمات التواصل، في هذا الاطار التواصل هو سيرورة تبادلات لاشكال مختلفة من المعلومات والرسائل بين الافراد وبين الافراد والجماعات وبين الجماعات فيما بينها، هنا ايضا لا يمكن اختزال التواصل في تواصل بسيط بينشخصي (بين الافراد) فكل تواصل هو تواصل اجتماعي، في المنحى الذي ينقل فيه التأثير(يكون فيه التاثير حاضرا) من جهة، ويتم التعبير عن التواصل بواسطة ميكانزمات كوسائل الاتصال من جهة اخرى، هذا يبين كيفان عملية التواصل تتحدد بواسطة مجموعة من العوامل السيكولوجية.
       انطلاقا من هذا التعريف نلاحظ ان علم النفس الاجتماعي يتميز عن غيره من العلوم الانسانية التي تدرس ايضا الفرد والمجتمع، يختلف اولا عن علم الاجتماع الذي يستثني مسبقا دراسة الفرد ويأخذ المجموعات الاجتماعية المنظمة كالتنظيمات والمؤسسات والتحركات الاجتماعية كموضوع للتحليل والتفسير. كما يختلف ايضا عن علم النفس الذي يهتم بالسيرورات النفسية الداخلية (الاحاسيس، الاتجاهات، ردود الافعال) التي يمكن اعتبارها مركزية في حين يبقى السياق الاجتماعي ثانويا بالنسبة لعل النفس.
      هذه التمييزات لها اهميتها اذا اردنا ان نضع فصلا قاطعا بين مجالات هذه التخصصات ففي الواقع وجود علم النفس الاجتمااي يقع بين علم النفس وعلم الاجتماع. ويمكن ان نضع فصلا قاطعا بينهما (هم الثلاثة) وبكل بساطة لان الحدود بينهما لم توضع بشكل واضح، لهذا السبب ضعف ترسيم الحدود المخصصة لعل النفس الاجتماعي مما قاد الى وضع رؤية مفسرة للكائن البشري ككائن اجتماعي في واقعه الداخلي لفهم سلوكاته الاطتماعية.
     تكمن أهمية المقاربة السيكوسوسيولوجية اذن في تسليطها الضوء على فهم ما هو سيكولوجي (نفسي) وما هو اجتماعي عن طريق عدد من الاليات و الميكانزمات والتي تعتبر كسيرورات علائقية. عن طريق هذه النظرة للانسان في واقعه الاجتماعي فان علم النفس الاجتماعي يمثل مجالا للدراسات التي تطور نوع من المعارف حول الانسان والحياة الاجتماعية التي يختلف بها عن العلوم الاخرى.




[1]la psychologie sociale  ترجمة مقتطف من كتاب  
لغوستاف نيكولا فيشر           


اضغط اسفل لمشاهدة شريط فيديولغوستاف نيكولا فيشر :

  1. Le Ressort invisible: Gustave Nicolas Fischer
  2. Gustave Nicolas Fischer: Pourquoi votre tête soigne-t-elle votre corps ?







هل أعجبك الموضوع ؟

Aucun commentaire:

Formulaire de contact

Nom

E-mail *

Message *

موقع علم النفس المغرب للدكتور عبد الرحيم عمران