سيكولوجية المراهقة والشباب – مقالات وحوارات الأستاذ عبد الرحيم عمران.
س: ماهي خصوصيات المراهقة النفسية والاجتماعية ؟ لماذا تستعمل المراهقة غالبا كمفهوم
قدحي في التناول اليومي؟ لماذا يدعي بعض الأشخاص بأنهم لم يعيشوا مرحلة المراهقة؟ ما السر في
تأخر المراهقة لدى البعض؟ هل تمت اختلاف بين وضعية المراهق بالبادية ونظيره في المدينة ؟ ما هي الأعراض السلبية للزواج المبكر عند المراهق وهل في ذلك إعلان عن رجولة مغتصبة ؟ أسئلة كثيرة
حملناها للأستاذ عبد الرحيم عمران أستاذ جامعي في علم النفس الاجتماعي بجامعة سيدي محمد بن
عبد الله بفاس.
س: باعتبار المراهقة مرحلة مؤثرة وأساسية، ماهي خصوصيات هذه المرحلة النفسية
والاجتماعية؟
ج: مرحلة المراهقة تعاملت معها الدراسات السابقة سواء في السوسيولوجيا أو السيكولوجيا
بأنها مرحلة مدمجة إما في مرحلة الطفولة أو في مرحلة الرشد، الآن تبين لنا الدراسات بأن هذه المرحلة
من النمو هي مرحلة متميزة بخصائصها النمائية وديناميكية سيكولوجيتها وعلاقتها. وبالتالي فالمراهق هو
ذلك الإنسان الفاعل ضمن مرحلة النمو الانتقالية بين مرحلة الطفولة ومرحلة الرشد. وهي مرحلة تتميز
بالفاعلية والديناميكية وبظهور كفاءات وأنسقة معرفية متميزة. فكما تبين الدراسات في علم النفس
المعرفي، فهذه المرحلة أهم ما يميزها ذهنيا ومعرفيا هو اكتساب مجموعة من الكفاءات والقدرات
التوقعية، وأهم ما يميزها كذلك هو مرجعية المشروع، أي أنها مرحلة انتقالية يميزها المشروع كسمة
مميزة لشخصية المراهق. مثال المجتمع المغربي حاليا يوجد في مرحلة انتقالية يميزها طموح المشروع
الديمقراطي، كذلك بالنسبة لمرحلة المراهقة، فالمراهق بهذا المعنى هو ذلك الكائن النمائي المشاريعي،
الفاعل على المستوى الوجداني والمعرفي والعلائقي، وبالتالي له ديناميكية متميزة تطبعها الرغبة في
إثبات الذات بمرجعية المشروع والتنظيم الذاتي وبمرجعية تتموقع في الأفق وداخل ديناميكية البدائل. وهذه
سمات ومواصفات بطبيعة الحال ينبغي النظر إليها والتعامل معها ضمن ثقافة المجتمع المغربي فالأسرة
المغربية كمنظومة مجتمعية مازالت وإلى حد كبير منتظمة ثقافيا وعالائقيا بمرجعيات الضوابط التقليدية
وبضوابط الأسرة الأبيسية وضوابط المجتمع السلطوي... من هنا تبدو لنا على المستوى اليومي مفارقة ما
بين منظورنا لمن هو المراهق ولما ينبغي أن يكون عليه معياريا وثقافيا وبين سمات ومميزات شخصية
المراهق كما تكشف عنها الدراسات النفسية الاجتماعية المتخصصة. على اعتبار أن أهم ما يميزها هو
نواظم المشروع وهذا الطموح وهذه الديناميكية المتميزة لإثبات الذات، في ظل واقع المجتمع المغربي
المحافظ، وواقع الأسرة المغربية التي لم تدمج بعد في قناعاتها ومعامالتها وأسلوبها التربوي هذه الحقائق
العلمية لمكونات وديناميكية وخصوصيات المراهقة.
س: يلاحظ استخدام مصطلح المراهقة أحيانا كمفهوم قدحي، ما هو السر في ذلك؟
ج: إن المجتمع المغربي عندما يتداول في هذه الحياة اليومية والتداولية والمهنية كلمة
المراهق أو المراهقة، فهو يتداولها ككلمة حاملة لمجموعة من القيم والممارسات التي تتميز إما: بعدم الإستقرار وبالتذبذب أو بالطيش وعدم الانضباط وكأنها مرجعية او فترة "افعل ما تشاء"، بمعنى أنها لا تنتظم بمعيارية مرجعية. فهي فترة كما يتصورها الكثير من الناس "اللامعيارية" لا تحتكم للمعايير
والضوابط. لكن يجب علينا أن نميز بين هذه المواقف والتمثلات النمطية القيمية التي توجد في ثقافتنا ولدى
الفئات المجتمعية بما فيها فئة النخبة وبين خصائص ومواصفات المراهقة وديناميكيتها المتميزة كما تثبتها
الدراسات العلمية المتخصصة، فمثلا نجد في لغة السياسة من يردد باستمرار "هذا سلوك المراهق"،
بمعنى أنها تتداول الآن بمفهوم قدحي وسلبي وبمفهوم قيمي سلبي.
في حين أن أهم شيء يميز هذه المرحلة على المستوى النمائي هو أنها مرحلة تنتظم من خلال آليات
ورغبات ومواقف وتمثلات التنظيم الذاتي وإثبات الذات ومرجعية المشروع. وكل مشروع عندما يكون
في بداية صياغته وسيرورته وطموحاته يكون في مرحلة التنظيم المركب والغير حاسم، المطبوع أحيانا
أو غالبا بمشاعر متناقضة نتيجة تدفق ووجود مشاريع غزيرة واختيارات متعددة ومتعارضة في الكثير
من الأحيان، تجعله ينجذب بين الشيء ونقيضه، بين مشروع استقلال الذات مثال والانسياق مع
خصوصيات ومشاريع الغير وضغوطات الجماعة... وهذا ما يجعل الراشدين يقولون إن مرحلة المراهقة
هي مرحلة التذبذب وعدم الاستقرار... ولكن يجب النظر إليها بمنظور آخر، أي منظور بداية المشوار
والرغبة في إثبات الذات المتميزة بتعدد وتنوع المشاريع والمشاعر والعلاقات، وبالإنجذاب والتردد بين
عدة اختيارات وإردة ومشاعر وعلاقات حميمية مثالية، المتموقعة داخل ديناميكية "مفترق الطرق".
وبالتالي فهي مرحلة لا يجب أن نحكم عليها بأنها مرحلة لا معيارية ولا انضباطية ومرحلة مهتزة، ولكنها
مرحلة انتقالية غنية الروافد والمشاعر والعلاقات والاختيارات لها مواصفاتها المتميزة. فكيف يتعامل
المجتمع والأسرة والمدرسة والأحزاب مع هذا العنصر الذي يتوق للإنعتاق من مرحلة الطفولة وإلى إثبات
الذات وهو في مرحلة المراهقة، أي في مرحلة التشييد وبناء مرجعيته الذاتية ومشاعره وعلاقاته الحميمية
ومشاريعه المستقبلية؟
س: هناك الكثير من الأشخاص يدعون أنهم لم يعيشوا مرحلة المراهقة، هل هذا صحيح؟
ج: انطلاقا من مرجعيتنا العلمية النفسية الاجتماعية يجب أن نميز بين شكلين من التفسيرات
الواردة، فهناك أشخاص يقولون بأنهم لم يعيشوا هذه المرحلة وهذا القول يمكن أن يأخذ اثنين من المعاني
على الأقل، بمعنى أنني لم أعش هذه المرحلة، لم أعش عدم الانضباط وعدم الاستقامة، أي أنفي كل
التمثلات والمواقف التي نقول عنها سلبية اتجاه المراهقة، فهو يعطي لذاته صورة الإستقامة وصورة
المناعة وبأن شخصيته سليمة من سلبيات المراهقة، وهو موقف تبرئة الذات.
الموقف الذاتي وهو موقف مغاير ومناقض للأول، أي موقف التحصر على هذه المرحلة وإيجابياتها نظرا
للوضعية الأسرية التقليدية المعروفة بالسلطوية، حيث لا وجود للإستقلال الذاتي ولا للفرد ولمشاريعه
واختياراته الذاتية، ففي ذلك تحصر على هذه المرحلة التي لم تتم معايشتها بهاته المواصفات بالنظر لوضعية المراهقين حاليا المتمتعين بهامش الحرية وإثبات الذات والجرأة في الحديث والحضور داخل
الأسرة.
فهذه المرحلة المتميزة لم يعشها الكثير منا لأننا عشنا في أسر تقليدية تنقلنا مباشرة من الطفولة إلى سن
الرشد فنتحصر عليها... وربما هاذان التأويلان قد يجدا تفسيرهما لدى الأشخاص الذين يدعون بأنهم لم
يعيشوا مرحلة المراهقة، إما بمرجعية تبرأة الذات من هذه المرحلة أو بمرجعية التحصر عليها ما دام لم
يتم معايشتها بالكثير من الحيوية والفاعلية الذاتية.
س: هل تمت معطيات علمية وسيكولوجية لتأخر المراهقة لدى البعض؟
ج: ماهي دلالات مفهوم التأخر الذي نتحدث عنه؟ كيف ننظر ونتعامل مع هذه المرحلة؟. إنها
مرحلة العالقات الحميمية مرحلة الرومانسية ومرحلة الحب الأفلاطوني كما يتم وصفها، فيها الكثير من
الإخلاص والمودة. مرحلة تتميز بنوع من الاتزام والإيمان بمجموعة من المثل العليا والأفكار والمبادئ
الفاضلة. مرحلة تتميز أيضا بالميل نحو الاستقلال الذاتي والتميز واتخاذ المبادرة والتموقع داخل الأفق
المستقبلي... والمجتمع المغربي حتى في فترات السبعينيات والثمانينيات لم يكن فضاء يتمتع بهذه
الخصوصيات الإيجابية التي تميز مرحلة المراهقة. وبالتالي عندما نقول إن هناك أشخاصا يعيشون مرحلة
المراهقة المتأخرة، فيجب إما فهمها بأن هؤلاء أصبحوا متأخرين عن المبادرة والثقة في النفس، وإما
فهمها في نطاق قدحي بحيث يستعمل مصطلح المراهقة في حقهم على كونهم مثال يتزوجون متأخرين أو
يحبون في سن متأخرة أو يتصرفون بصبيانية ...إلخ.
فإذا فهمناها بالمفهوم الإجابي فهذا يعني بأن هؤلاء أصبحوا مستقلين على المستوى الوجداني والعملي،
وانتظم لهم المشروع الذاتي ولم يعودوا أشخاصا تابعين أو تحت وصاية، سواء أسرية أو مهنية أو حتى
سياسية، أصبحوا يتميزون بالقدرة على الاختيار وبوضوح الرؤية وبالتموقع الفاعل والإرادي داخل
المستقبل. لكن إذا فهمناها بالمفهوم السلبي – وهذا هو السائد – فإن هؤلاء رغم رقي مستواهم المعيشي
والمجتمعي فإنه تصدر عنهم سلوكات صبيانية ومواقف المجون... وبالتالي فمن هذا المنظور فهي تحمل
طابعا قدحيا.
س: هل يمكن لتصرفات المراهقين أن تختلف باختالف المحيط المجتمعي الذي ينتمي إليه
هؤالء المراهقون؟
ج: ما يثير انتباهنا الآن وما يطرح من جدال حول التصرفات الصادرة عن هذه الفئة والتي لم
نألفها من قبل ولم تكن حاضرة داخل ثقافتنا السائدة هو هذه المفارقة الديناميكية المميزة لسيكولوجية
المراهقين. فإذا رجعنا بنوع من التحليل السيكولوجي والتحليل الثقافي يتضح أن المجتمع المغربي في
بنايته التاريخية والعشائرية والقبلية والأسرية يظل مجتمعا منتظما بالثقافة التقليدية وبالضوابط السلطوية
والهرمية الحادة والأحادية بمعنى أن هناك من يقرر وهناك من هو في وضعية التبعية والانصياع. نحن
الآن حتى على المستوى السياسي نتموقع في مرجعية وسيرورة المجتمع الديمقراطي وفي مرجعية
المواطنة ومجتمع المعرفة وهذا يقتضي بأنه يجب على نظرتنا للأمور أن تتغير. على اعتبار أن مرجعية
ومنظومات المجتمع التقليدي لا تعترف بالطفولة والمراهقة كمراحل متميزة نمائية، ولا تعترف بالطفل وحقوقه ولا بالمراهق وبمشروعه وبديناميكيته كعناصر فاعلة ولها وجود متميز داخل الأسرة والمدرسة
والحي ...
المشكل هو أن هذه المرحلة المتميزة بالمواصفات المذكورة، كيف يمكن تفعيل ديناميكيتها الإيجابية في
ظل استمرارية ثقل مرجعية الماضي المتسمة بالضوابط السلطوية والمعيارية المجتمعية الضاغطة؟.
فالمجتمع المغربي – مع الأسف – لم يستحضر بعد إيجابية هذه المرحلة ولا تزل للأسرة المغربية هذه
الإكراهات والطابوهات التي تنظر من خلالها للمراهق أو المراهقة بأنها لا بد أن تنتظم داخل ثقافة التبعية والخضوع والولاء والإنصياع.
س: هناك مراهقون يتصرفون بانفعال مبالغ فيه داخل محيط أسرهم في حين يكبحون هذه
االنفعاالت خارج هذا المحيط؟
ج: المعادلة التي يمكن طرحها لفهم وتدبير هذه التناقضات بخصوص مرحلة المراهقة، هي
أنه إذا كانت لدينا أسرة لا زالت في أسلوبها التربوي والمعاملاتي وأسلوب المرافقة والتوجيه، أسرة
سلطوية وغير تحاورية وغير تواصلية أي أنها أسرة تفتقد لثقافة الحوار والإنصات ولثقافة المشروع الذي
يفترض التخطيط والتوقع والتواصل. فبالتالي فإن الصعوبات التي تؤدي إلى حضور هذه المواقف
الوجدانية والعلائقية المتناقضة، هو أن المراهق المغربي حاليا يعيش داخل أسرة هي الأخرى تعيش عدة
تناقضات واختلالات، بحيث نلاحظ مثلا وفي نفس الوقت سيادة الأسلوب السلطوي والمراقبة الحادة،
وأسلوب "افعل ما تشاء"، وأسلوب تدبر شأن أمرك بإرادة ومسؤولية شخصية...، وهذا ما يولد وضعية
صراعية سيكولوجية يعاني منها المراهق في علاقته مع أسرته، بسبب تقلبات وتناقضات المرجعية
الأسرية وأسلوبها التربوي.
س: ماهي العواقب التي قد تنجم عن كبح ومواجهة تصرفات مراهق بصرامة؟
ج: من الأشياء التي يمكن أن تنتج عنه هو غياب وضوح الرؤية في ما يتعلق بنوعية
العلاقات والمعاملات الإيجابية، كذلك تنتج عنه تغييب مرجعية التنظيم والتدبير الذاتي. فغالبا ما نلاحظ أن
الأسر المغربية تفتقد لنوع من المعايرة الواضحة ومن المرجعية التربوية في علاقتها مع أبناءها سواء
على المستوى التواصلي أو على المستوى الوجداني ولربما أن المرحلة الانتقالية التي يعرفها حاليا
المجتمع المغربي أفرزت لنا أسرة تحمل معها عدة تناقضات لم تحسم فيها بعد بمرجعية واضحة. فإذا
كانت الأسرة التقليدية لها ثقافة ومرجعية واضحة وتعمل على جعل الأبناء يلتزمون بها، فإن هذه المرحلة
الانتقالية حملت معها مجموعة من التناقضات، لأن العديد من الأسر المغربية لم تنتظم لها بعد الرؤية
والمشروع الديمقراطي في المجال التربوي، فهي تتعامل أحيانا بالشيء ونقيضه مع الأطفال والمراهقين
وتجد بعض الأباء يقولون لك بأنهم يتعاملون مع أبناءهم كأصدقاء، في حين أن كل علاقة أسرية لا بد لها
من علاقة أبوية فيها نوع من الاحترام والانفتاح والانصات. لكننا نلاحظ أمام الاستشهاد السابق أننا نمر
إلى نقيض الشيء، بغياب مرجعية الأب ومرجعية الأم... كنواظم للعلاقات الأسرية ومكونات هويتها
المرجعية... كما أن خصائص المراهقة تنتقل وتتأثر كذلك داخل المجتمع المغربي عن طريق مكانة وثقل
وسائل الإعلام الحديثة والتي بدورها تتحرك بمرجعيات ثقافية ومعيارية متعارضة. وبالتالي فوضعية التناقض التي يعيشها المراهق يجب أن تفهم من كون المجتمع المغربي هو الآن بانتقاله تاريخيا وثقافيا من
مجتمع تقليدي وسلطوي إلى ما هو عليه الآن من تحولات سريعة وديناميكية متجددة، أنه مجتمع لم يبلور
بعد مرجعية مجتمعية وأسرية واضحة يمكن للمراهق أن يستند إليها فنحن في مرحلة انتقالية، وكل مرحلة
انتقالية يجب أن نفهمها على أنها مرحلة التكوين والإنشاء والتشييد؛ وما دام أن لها هذه الإيجابيات فلا بد
أن تفرز جوانب سلبية كذلك.
س: هل تمت تمايز بين مراهقة فتى قروي ومراهقة فتى حضري؟
ج: هذه الخصوصيات مرتبطة بطبيعة المجال وطبيعة انتظام البنيات المجتمعية والثقافية
داخل المجال القروي نحن نعرف تاريخيا أن المجال القروي هو أصل المجتمع المغربي، وبنية هذا
المجال تتأسس على بنية العشيرة والقبيلة والزوايا والتحالفات والروابط الجماعية الخاصة الناظمة
لسلوكات الأفراد. والفرد كما تعلم لا وجود له في المجتمع التقليدي القبلي إلا ضمن مرجعية الجماعة،
وبالتالي فالمراهق لا يمكن أن يكون إلا واحدا من هؤلاء الأفراد داخل الجماعات المرجعية السالفة الذكر
في حين أن مراهقة الوسط الحضري تتميز اليوم بهامش أوسع من الفاعلية والاستقلالية والمشاريع
الشخصية، وببروز "الفرد" كفاعل سيكو-اجتماعي متميز.
س: هناك عادات زواج مراهقين في سن مبكرة هل تمت مجازفة في هذا الأمر؟
س: هناك عادات زواج مراهقين في سن مبكرة هل تمت مجازفة في هذا الأمر؟
وماهي
حدود المسؤولية في ذلك؟
ج: هذه الظاهرة لها عدة سلبيات وحينما ننظر إلى مخلفاتها نلاحظ بأنها تظل فاعلة بقوة داخل ظاهرة الطلاق اليوم. أي أنه من أهم العوامل الفاعلة داخل الطلاق المبكر كظاهرة مثيرة للإنتباه هو هذا
الزواج اللامتكافئ وغير المنتظم من مرجعيات الاختيار، والمشروع، والقناعة والالتزام المتبادل.
والزواج كما نعلم هو مشروع الحياة المشترك ولا بد له من مرجعيات الألفة والتضحية والمحبة، والتي لا يمكنها أن تنتظم عن طريق الوصاية. وبالتالي لكي تنتظم مرجعية المشروع والاختيار والتعاقد داخل
مشروع الزواج، من البديهي، أن يكون سن الأزواج مناسبا وقائم عن اختيار وتراض متبادل.
وسن المراهقة المبكرة غالبا ما لا تنتظم خلالها وضوح الرؤية والرغبة في التعاقد والاختيار الذاتي ضمن
العلاقات الزوجية الرشيدة. كما لا يمكن غض الطرف عن سلبيات هذا الزواج المبكر والذي من سلبياته
أيضا وفيات الأمهات الحاملات بسبب صغر سنهم.
س: هل الزواج المبكر إعلان عن رجولة مغتصبة؟
ج: أولا هي مراهقة مغتصبة من منطلق أن هذه المراهقة لا بد أن تعاش لأنها هي مرجعية
الديناميكية والإختيار والتعاقد والحلم الجميل وتحمل المسؤولية الذاتية، ومن تمت لا يمكن القفز عليها.
والزواج المبكر هو أيضا اغتصاب للحقوق كذلك، فلا يعقل أن نقر دوليا ووطنيا بأنه من حق الطفل
والمراهق أن يعيشا مراحلهما النمائية التي هي أساس الشخصية المتوازنة والمواطنة الواعية، ثم يتم نزع
عنهما هاته الحقوق الأساسية عن طريق الزواج المبكر! . فكيف يعقل ونحن نبني لمجتمع أفضل ولمجتمع الكرامة والحقوق والديمقراطية والمواطنة أن نغتصب
الطفولة والمراهقة؟... ونحن نعلم كذلك أن الرجل أو المرأة اللذين يحرمان من حق الطفولة وحق المراهقة
يضلان يحملان معهما خصوصيات ورغبات وأحلام هاتين المرحلتين كأشياء مكبوتة والتي من بعد
يفرزانها إما في أعراض مرضية وإما في سمات ما نسميها بالمراهقة المتأخرة. بمعنى أن من حرم منها
كجزء من حقوقه ومكونات شخصيته النمائية تفرض نفسها عليها ولو في مرحلة متأخرة من حياته.
وبالتالي إذا كان لدينا مجموعة من القيم والأهداف والمشاريع التي نريد تحقيقها مجتمعيا فلا بد من
الاهتمام بالطفولة وخاصة بمرحلة المراهقة التي يجب أن يعاد فيها النظر بخصوص تدبيرها والتعامل
معها، لا سيما أمام الظواهر المطروحة حاليا: كالهدر المدرسي والتعاطي للمخدرات والسيدا
و"الحريك"...إلخ.
س: كيف تنظرون إلى العلاقة الراهنة بين المراهق وثلاثية: البيت، الشارع والمدرسة؟
ج: لا بد أولا من حضور وعي اجتماعي بديل لمرحلة المراهقة، لأننا لازلنا نجتر مواقف
وقيم المجتمع التقليدي الأبيسي، كذلك نعيش وضعا تربويا وسيكولوجيا لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الطفل والمراهق الوجدانية والمعرفية والعلائقية، بمعنى أننا لحد الآن لا زالت نظرتنا تنتظم
من منظومة الضبط والتقنين وإخضاع الطفل والمراهق لمرجعية الراشد. لكنه حاليا وبحكم التحولات التي
وقعت في البنيات التقليدية والتي لم تعد ناظمة للمجتمع المغربي ومؤسسته الأسرية بالكثير من التوازن
والاستقرارية والضبط، فيجب الوعي بهذه التحولات. كما أننا نعيش الآن عهد الالتزام الوطني والسياسي
على أن مشروع المجتمع المغربي هو مشروع المجتمع الديمقراطي والحداثي، وهذا لا بد من نظرة
حداثية بمفهوم علمي، بمعنى لا بد من استحضار المعرفة العلمية واستكشافها في ما يتعلق بهذه المرحلة،
وكذا لا بد لنا من أسرة ديمقراطية، ليس بالمفهوم الإيديولوجي، ولكن بوجود أسرة تتمتع بثقافة الإنصات
والحوار والتفاهم، القائمة والمكرسة لمرجعية وثقافة المشروع الأسري.
وحسب دراسات ميدانية أنجزناها في مرصد الطفولة والمراهقة فإن أهم ما يشتكي منه المراهق والمراهقة
المغربية هو الشعور بكون أسرهم وآباءهم ليسوا معهم وجدانيا، بمعنى أنهم يشعرون وجدانيا بنوع من
الغربة والتباعد السيكولوجي داخل الأسرة ولا يجدون ذلك المناخ السيكولوجي وعلاقات القرب الحميمي
وثقافة الحوار والإنصات مع أباءهم. فمرحلة المراهقة الآن ببلادنا مجال محاصر ثقافيا بمجموعة من
التمثلات والمواقف والمعاملات التقليدية، ومحاصر أيضا بغياب ثقافة ومنظومة المشروع داخل الأسرة
المغربية... كذلك لا زلنا نستحضر مرحلة المراهقة كمرحلة المواجهة والصراع ولا نستحضر إيجابياتها
كمرحلة المشروع والانفتاح وإثبات الذات والثقة بالنفس وبالآخرين.
س: ترأسون مرصد الطفولة والمراهقة بفاس، لماذا أحدث هذا المرصد؟ وماهي المهام
المنتظرة منه؟
ج: مرصد الطفولة والمراهقة ينتمي إلى مرجعية جامعية وملزم بالبحث العلمي الذي نعتبره
من مرجعيات توضيح الرؤية وتغيير العقليات والمواقف إلى ما هو أفضل. فعندما تبين الدراسة العلمية
السيكولوجية أن مرحلة المراهقة هي مرحلة نمائية ديناميكية في طور الانتقال من الطفولة إلى الرشد، لكن بمميزات الرغبة في إثبات الذات ومواصفات المشروع الوجداني والمعرفي والمجتمعي، فهذه الديناميكية
يجب أن تفهم علميا كيف تنتظم نواظمها. وهذا ما جعلنا نقوم بدراسات حول المجال الحميمي داخل
الأسرة، فوجدنا أن أهم ما يعاني منه المراهقون والمراهقات هو غياب الفضاء الحميمي داخل أسرهم
والرغبة في إثبات الذات والتمييز الإيجابي. لاحظنا كذلك غياب ثقافة المشروع، إذ من بين ما يشتكي منه
المراهقون هو أن أسرهم لا تطرح معهم المشروع المجتمعي ولا تتفهم المشاريع التي يتبنونها ويرغبون
فيها، وبالتالي تغيب ثقافة الحوار والتواصل، وتسود ثقافة الصمت والتكتم ومشاعر الغربة.
حاوره: محمد الزوهري
جريدةالأحداثالمغربية
1001 دجنبر 12
جميع الحـــــــــــــــقوق محفوظة لموقع مغرب علــــم النفس
هل أعجبك الموضوع ؟