حصيلة الدراسات الميدانية حول:
"سيكولوجية المرأة المُعنفة ومشروع الحياة"
نعمل جاهدين في جمعية علم النفس والتنمية على طرح القضايا الشاغلة مُجتمعيا والواعدة علميا، قضايا من شأنها أن تُساهم في تفعيل ديناميكية وأسس ودعامات مشروعنا المُجتمعي الديمقراطي وتنميته الشاملة من خلال ثقافة المُواطنة والمساواة والتنمية البشرية. ومن بين هذه القضايا الشاغلة "العنف ضد المرأة"، هذه الظاهرة التي أصبحت تتطلب منا أكثر من رؤية جديدة ومقاربة مُتخصصة واستراتيجية علمية للوقاية والتدخل الهادف. ومن هنا نرى أنه من الأهمية بما كان أن تحتل المُقاربة السيكولوجية دورا أساسياعلى هذا المستوى. لكونها المقاربة التي ما زلنا نفتقدها على اعتبار أن أغلب المقاربات والدراسات والاهتمامات، ركزت وإلى حد الان على الجوانب القانونية والاقتصادية لظاهرة العُنف ضد المرأة. في حين كلنا نعلم مدى ثقل ودور الأبعاد والمُخلفات والتكلفة النفسية الاجتماعية داخل هذه الظاهرة. وهو ما سنعمل من خلال هذه المداخلة في تسليط الضوء على جوانبه الأساسية، من خلال حصيلة الدراسات الميدانية لجمعيتنا حول هذا الموضوع.
وكل دراسة من هذا النوع، لا بد لها من رؤية ومقاربة علمية. على اعتبار أننا في جمعية علم النفس والتنمية، نعتبر أن المقاربة العلمية هي أفضل وسلية لتحليل وفهم ومُعالجة مثل هذه الظواهر المركبة والمتعددة الأبعاد والمحددات والشاغلة مُجتمعيا.
E فما هي أهم مرجعيات مقاربتنا النفسية الاجتماعية لظاهرة العنف ضد المرأة؟
وحتى لا أطيل عليكم، فإن المُقاربة العلمية في جمعية علم النفس والتنمية لهذه الظاهرة، تنطلق من كون المرأة سيكولوجيا أهم ما يُميزها هو مرجعية المشروع الذاتي/ المعرفي/ المهني/ الأسري والتربوي، والذي نصطلح على تسميته في بنيته النسقية الشمولية "بمشروع الحياة". وتأتي أهمية هذه المقاربة السيكولوجية عبر مرجعية مشروع الحياة لدى المرأة، إلى كونه يُموقعنا سيكولوجيا ومُجتمعيا داخل بنية ودينامية الشخصية الإرادية، الذي يتفق الجميع على أنها مرجعية أساس للمُواطنة الفاعلة داخل المجتمع، باعتبارها كائن المشروع والفاعلية وإتخاذ القرار والمبادرة والطموح. فإذا استحضرنا ولو بعجالة أهم أسس ودعامات مشروع الحياة، فإننا نلاحظ أن نواظمه السيكولوجية الأساسية، تحيلنا ذهنيا ومعرفيا إلى القدرة على التصور والطموح والتوقع والإستشراف، ووجدانيا تحيلنا إلى سكولوجية الحلم الجميل والتمني والرغبة في إثبات الذات، وتحيلنا إستراتيجيا إلى القدرة على التخطيط والبرمجة، وسلوكيا إلى دينامية المبادرة والإنجاز مرورا بمواقف القدرة على الإختيار، وإتخاذ القرار، والتعاقد الإرادي. هذه باختصار أهم المحددات السيكولوجية للشخصية الإرادية لدى المرأة المنتظمة وفق دينامية "مشروع الحياة"
E فما قيمة وطُعم الحياة في غياب هذه النُظُم السيكولوجية المرجعية للشخصية الإرادية ؟ وما مكانة ودينامية المرأة المعنفة في غياب مرجعية "مشروع الحياة"كزوجة وكإمرأة وكأم بدون القدرة على الإختيار ؟ وبدون القدرة على إتخاذ القرار وتحمل المسؤولية المشتركة وجودة التواصل، والحوار الزوجي الأسري، وشعورها بالطمأنينة والدفئ والسعادة والقدرة على تحقيق الذات، بحافزية وكفاءة وبإرادة وفاعلية ذاتية، وإنصهار أسري واندماج مجتمعي.
t العنف سيكولوجيا: من المفهوم إلى الدلالة
فالعنف سيكولوجيا هو ذلك السلوك المُمارس قصد إلحاق الأذى بالاخر ماديا أو سيكولوجيا أو رمزيا، والتأثير عليه بالقوة لإجباره على الإمثتال والخضوع والإستسلام، والذي يُترجم على المستوى السيكولوجي لدى المرأة الضحية المُعنفة بمشاعر المُعاناة والألم. فالعنف له عدة أشكال فهناك العنف المباشر على المُستوى الجسمي والشفاهي، وهناك العنف الرمزي على مستوى أشكال الإضطهاد والتبخيس والتهميش والإحتقار... فكل هذه الأشكال تضعنا أمام عنف متعدد الأساليب والسمات، والتي يمكن دراستها وقياسها في النهاية على مستوى مخلفاتها ومعاناتها السيكولوجية، أي من خلال ما تُحدثه من أضرار بالاخر، في أبعادها ومُواصفاتها السيكولوجية من معاناة وتبخيس وتهميش وإقصاء.
E فماهي أهم مميزات ومواصفات سيكولوجية العنف الزوجي؟
من أهم مميزات ومواصفات سيكولوجية العنف الزوجي، أنها تضعنا أمام التواصل السلبي والقهري التدميري للاخر، المُنافي لأسس ودعامات الرابطة الوجدانية والعلاقات الزوجية الحميمية، على أساس أن هذه العلاقة سيكولوجيا تبقى بالأساس علاقة تواصلية، وجدانية، تبادلية-تفاوضية حتى أثناء أوضاع الإختلاف والتنافر وعدم التفاهم، انطلاقا من أن خصوصية الرابطة والمُعاشرة الزوجية، تقوم وتتطلب أسلوب واستراتيجات وكفاءات تدبير الخلافات عبر الإنصات والحوار والتفاوض، وليس عبر استراتيجية المواجهة الحادة وسلوكات التعنيف والتهجين للاخر.
فإذا كانت المرأة هي كائن المشروع وإثبات الذات والشخصية الإرادية بمرجعية مشروع الحياة، فإن استعمال العنف اتجاهها يلغي كل هذه النواظم السيكولوجية الإيجابية على مستوى جودة الحياة الزوجية والأسرية. فباستحضارنا لمُختلف الدراسات والتقارير للجمعيات المدنية المُهتمة والفاعلة في قضايا محاربة العنف ضد النساء. ندرك مدى الانعكاسات السلبية لمُخلفات العنف الزوجي على مستوى جودة مشروع الحياة المُشترك وعلى مستوى جودة العلاقات وثقافة الحوار والتواصل المتبادل بين الزوجين، وانعكاسات كل هذا على مكونات ونواظم شخصيتها الإرادية كزوجة وكأم وكإمرأة من حيث مشاعر ثقتها بنفسها وجودة علاقتها الأسرية والتربوية اتجاه الأبناء ونزوعها إلى تبني مواقف الإنطواء على الذات والشعور بالدونية وضعف دينامية جودة إندماجها المجتمعي، وهو ما يبين لنا ثقل التكلفة النفسية والصحية والإجتماعية لسلوكات العنف الممارس عليها زوجيا. ومن هنا تأتي أهمية التساؤلات التالية :
E ماهي الأضرار السيكولوجية التي تلحق بالزوجة المُعنفة من جراء هذه الممارسات، على مستويات صورة الذات ومشروع الحياة؟
E ماهي المخلفات النفسية الاجتماعية الأسرية منها والتربوية التي تطال المرأة ضحية العنف الزوجي؟
E ماهي التكلفة النفسية الاجتماعية والصحية الاندماجية لسلوكات وممارسات العنف عليها؟
للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها قامت جمعيتنا بدراسات ميدانية حول المرأة المُعنفة زوجيا بجهة فاس/بولمان والتي شملت 60 زوجة مُعنفة، بالخصائص والمواصفات التالية:
3 مُتزوجات: السن 20-40 سنة
3 المستوى الاقتصادي: ضعيف-متوسط-مرتفع
3 المستوى التعليمي: مُتمدرسات-غير مُتمدرسات
t أداة الدراسة:
أداة الدراسة في جمع المعطيات هي المقابلة نصف الموجهة المكونة من مجموعة أسئلة مفتوحة ومغلقة يتم طرحها بالدارجة وبلُغة تُساير مختلف المستويات المدروسة.
t تحليل نتائج الدراسة الميدانية:
فيما يتعلق بنوعية العنف المارس على العينة المدروسة، كانت كالتالي:
E ماهي أنواع العنف التي تُمارس عليك زوجيا؟
3 العنف المادي: %50 المتمثل في الضرب-الركل-الجرح
3 العنف المعنوي: %30 التحقير-السب-الإدلال-الكلام الرديء-عدم التواصل
3 العنف الجنسي: %20 ممارسات جنسية غير مرغوب فيها
E ماهي في نظرك أهم العوامل المتحكمة حاليا في سلوك العنف المُمارس عليك من طرف زوجك؟
3 تدخل العائلة في الشؤون الزوجية: %35
3 الاختلاف في التسيير اليومي للحياة الزوجية: %30
3 تعاطي المُخدرات: %20
3 الخيانة الزوجية: %15
كل هذه العوامل نجدها فاعلة داخل سُلوكات وممارسات العنف الزوجي. كما جاءت واردة في هذه الدراسة الميدانية.
أما فيما يتعلق بمدى حضور أو غياب ثقافة وكفاءات التواصل والحوار في تدبير الخلافات وحل الصراعات لدى الزوجين فقد جاءت الأجوبة كالتالي:
3 أسلوب العنف المتمثل في الضرب: %30
3 أسلوب اللامبالاة والتبخيس: %30
3 أسلوب المناقشة والحوار: %20
3 أسلوب تدبير الخلاف من طرف واحد: %20
إن ما يثير الانتباه في نتائج هذه الدراسة الميدانية الاستطلاعية، هو أن أسلوب تدبير الخلافات والصراعات الزوجية يعتمد أساسا أسلوب العنف المتمثل في الضرب يليه التبخيس واللامبالاة وأسلوب التدبير الأحادي الطرف "كيجلس لراسو يفكر..." وأن أسلوب المناقشة والحوار لا يحضر إلا في حدود %20. وهذا ما يبين لنا ضعف حضور ثقافة التواصل والحوار والإنصات المُتبادل في تدبير الخلافات وحل مشكلات الشأن الأسري.
أما فيما يتعلق بصورة الذات لدى المرأة المُعنفة فإنها جاءت على الشكل التالي:
E كيف يمكن أن تُعرفي لي نفسك كزوجة مُعنفة؟ وكذلك كأم مُعنفة؟ وكامرأة مُعنفة؟
3 كزوجة معنفة: %100 لهن صورة سلبية عن ذواتهن، ويظهر ذلك خلال أجوبتهن حيث يعرفن أنفسهن من خلال التعريف بوضعيتهن القاسية والمؤلمة التي يعشنها مع أزواجهن "مظلومين-مقهورين-مكرفسين-مدلولين-معندنا زهر"وهذه كلها تعبيرات ومواصفات ذات قيمة نفسية اجتماعية سلبية عن الذات.
3 كأم معنفة: %80 من الأمهات لهن صورة سلبية من خلال الإحساس بالتقصير اتجاه أطفالهن وواجباتهن كأمهات، نظرا للمخلفات والانعكاسات السلبية للعنف الممارس عليهن والذي ينعكس سلبا على علاقتهن مع أطفالهن وجدانيا وعلائقيا وتربويا " ظالمين ولادنا معنا، مكنعطوهمش حقهم، معندنا خطر ليهم"
و %20 اخرين لهن صورة أقل سلبية من خلال تعبيرهن "حنا صابرين على ولادنا، هما اللي كيعطونا الصبر"
3 كامرأة معنفة: فإن صورة الذات سلبية %100 "حنا لعيالات مقهورين تحت الرجال، حنا بحال الخدامات فالدار زايدة ناقصة عند الراجل"
إن هذه الصورة السلبية للذات من وجهة نظرهن، هي جراء السلوك الممارس عليهن من طرف أقرب الناس إليهن، مما يُفقدهن أهم مواصفات ومرجعيات هويتهن ك "امرأة"، اجتماعيا وعلائقيا واندماجيا.
نستنتج من خلال هذه الأجوبة، مدى إحساس هاته النساء بالمعاناة والخصاص الوجداني والإحساس بالدونية اللذان يحاصران حياتهن ويولد لديهن مشاعر التبخيس وتهميش الذات، وسيكولوجية المرأة والزوجة والأم المقهورة والمُستضعفة والمغلوب على أمرها. وهذا يتضح عند مقارنة صورة الذات لدى هاته الفئة مع أمثالهن من النساء الغير مُعنفات.
E عندما تفكري في وضعيتك الراهنة مقارنة بالنساء الغير مُعنفات، ما الذي يخطر ببالك وأنت ترددين النساء الغير مُعنفات ...؟
فإن نتائج المقارنة جاءت سلبية %100، فهن يكونون صورة سلبية عن ذواتهن من خلال مقارنتها بالنساء الغير مُعنفات "عايشين متفاهمين- سليمات الجسم والشخصية- كيعرفو يختارو- ماخصهم خير- عايشين في سعادة". وهذه المقارنة تزيد من حدة مُعانات هاته النساء المُعنفات، حينما يقارن وضعيتهن الزوجية مع أخريات يعتبرهن في وضعية أسرية مريحة وسعيدة، كما جاء في تعبيرهن "بصراحة تنغير منهم".
وما يزيد من تأزم الوضعية النفسية الاجتماعية للمرأة المُعنفة، هي النظرة الموجهة من طرف المجتمع إليهن، فهي محاصرة ثقافيا ومجتمعيا من خلال مجموعة من التمثلات والمواقف النمطية البطريكالية، والمتمثلة في اعتبارها المسؤولة الأولى عن هذا العنف الممارس عليها "كاع لعيالات كيكلو لعصا" "كن مدرتش علاش متكلش لعصا". كل هذه المؤشرات السيكولوجية تعمل على طمس نواظم الشخصية الإرادية الإيجابية لدى المرأة المُعنفة، وتولد لديها سمات ومواصفات الشخصية الدونية والانطوائية والإكتئابية "أنا مدلولة -أنا مقهورة- ماعندي خطر- وليت عصبية"، وهذه كلها تعابير ومواصفات سلبية عن الذات المتميزة بفقدان الثقة بالنفس، وبغياب القدرة على اتخاذ القرار والمبادرة والتنظيم والتدبير الذاتي، وبالتالي الإندماج الايجابي على المستوى الأسري والاجتماعي والمهني، وعلى مستوى الصحة النفسية وجودة الحياة الزوجية والأسرية بشكل عام.
أما فيما يتعلق بمدى حضور وغياب مشروع الحياة المشترك والمسؤولية المشتركة في تدبير الشأن الأسري. فإن النتائج المحصل عليها جاءت كالتالي:
3 نسبة %50 من الأزواج يسيرون الشأن الأسري في غياب أي مشاركة فعلية للزوجة
3 نسبة %20 من الحالات صرحن يكون بها التسيير مشترك بين الزوج والزوجة
في حين أن ما يزيد جو الأسرة توثرا هو تدبير الشأن الأسري من طرف شخص اخر غير الزوج أو الزوجة حيث نجد أن:
3 أم الزوج بنسبة %20
3 أخت الزوج بنسبة %10
هذه النتائج تبين مدى سيادة المرجعية الثقافية التدبيرية الباطريكالية، حيث أن الرجل هو الذي يقوم بتدبير الشأن الأسري بأسلوب أحادي وسلطوي القرار داخل المنزل، تليه سلطة أمه أو أحد أفراد عائلته. حيث تظل الزوجة فاقدة لمهام ومسؤوليات تدبير الشأن الزوجي والأسري، وهو ما يؤثر سلبا على مشروع حياتها بحيث تحرم من أبسط حقوقها، التي هي تدبير منزلها بإرادة ومسؤولية. وهذه كلها معطيات ومؤشرات تشير إلى غياب المشروع الأسري المشترك ومشروع الحياة الإرادي كناظم للحياة الأسرية، والتي تغيب معها جودة الحياة الزوجية بشكل عام، ومشروع الحياة المشترك. وهو ما يؤثر على المشروع الشخصي للزوجة، ومشروعها الاندماجي. فبغياب هذه المشاريع تغيب معها جودة الحياة الزوجية والأسرية بشكل عام، وتتقلص فضاءات الاندماج المجتمعي الطموح، ومواصفات نواظم الشخصية الإرادية. وبالتالي تغيب معها الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار والمبادرة والتنظيم والتدبير الذاتي وغياب الاندماج الإيجابي لدى المرأة المُعنفة. فترتفع بالتالي التكلفة النفسية والأسرية والاجتماعية للعنف الزوجي.
فإذا كان الزواج هو مشروع الحياة السعيدة فإنه مع العنف الزوجي تغيب أسس ودعامات هذا المشروع الأسري وتحل محله أوضاع سيكولوجية المعاناة والندم والتبخيس وعدم الثقة بشريك الحياة ومشاعر الرغبة في التخلص والإنفلات من هذه الوضعية السلبية التبخيسية بمتمنيات مغايرة، ويظهر ذلك من خلال السؤال التالي:
E "إلى طلبت منك تحلمي كيفاش تمناي حياتك تكون"؟
نجد أن نسبة %100 من الزوجات المُعنفات يتمنين حياة سعيدة يسودها التفاهم وتقاسم السعادة مع الزوج. أما مُتمنياتهن المشاريعية كامرأة فجُل أجوبتهن عبرت عن رغبتهن في حياة أكثر توازنا واستقرارا وطمأنينة وفاعلية واندماج. أما كربة بيت فإن رغبتهن تتجلى في ممارسة مهنة لتحقيق الذات بنسبة %20 وللمساهمة في تحمل أعباء ونفقات الأسرة. في حين %50 عبرن عن رغبتهن في التفرغ للبيت والأطفال في جو أسري سليم خال من المشاكل والعنف الذي يحول دون تحقيق مشاريعهن كربة بيت، في حين نجد أن نسبة %30 يتمنين إنجاب أكبر عدد من الأطفال كحماية لهن من الطلاق الذي تخشاه كل امرأة معنفة، رغم وضعيتها الصعبة والمؤلمة.
إن من أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الدراسة الميدانية، هو أنه وبالرغم من المعاناة الذي تعيشها المرأة المُعنفة والصور السلبية التي تطالها عن نفسها من خلال مقارنتها مع غيرها ونظرة الاخرين لها، ونظرتها لنفسها التي تتميز بالتبخيس والدونية، وافتقادها لمكونات ودعامات مشروع الحياة المشترك بمواصفات الشخصية الإرادية السالفة الذكر فمواقف التردد وضبابية القناعات وصعوبات الاختيار واتخاد القرار تظل هي السمات المعبر عنها من خلال أجوبتهن والتي تنعكس جميعها سلبا على مواقف الثقة بالنفس والخوف من المستقبل وصعوبة قدرتهن على التوقع والاستشراف فيما يخص مشروع حياتهن الزوجية والأسرية مما يبين ثقل وتكلفة العنف الزوجي عليهن. إلا أن هناك جانب أساسي يظل حاضرا في سيكولوجية المرأة المُعنفة رغم وضعيتها الصعبة والمؤلمة التي تتواجد فيها يوميا، وهي اليات ودينامية مشروع الحياة بمواصفات التمني والحلم الجميل: "كنحلم ولادي يعوضوني على هاد المعاناة- كنحلم غدا يكون أحسن من اليوم"، وهذه كلها مواصفات تفتقدها المرأة المُعنفة وترغب في الحصول عليها من خلال متمنياتها.
t معاناة الأم/الزوجة المعنفة
معاناتهن كبيرة جدا، إذ أن كل تعنيف يولد معه المعاناة السيكولوجية والشعور بالدونية وتبخيس الذات، والي تتمثل في وضعية القهر النفسي والشعور بالاختناق والمحاصرة وجدانيا وعلائقيا وأسريا، بحيث عبرت غالبية المستجوبات عن معاناتهن من عدة أعراض نفسية ونفسية جسمية ونفسية اجتماعية على مستوى مسؤولياتهن المنزلية والتربوية والأسرية مما يجعلهن عرضة لمشاعر وسيكولوجية الكراهية والحقد - الحقد -التذمر- انسداد الأفق الشخصي والأسري ومشاعر الندم ومواقف الحيرة والتردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار. أما المجالات الأكثر تضررا في حياة الزوجات المُعنفات حسب النتائج المحصل عليها جاءت كالتالي:
3 %50 يتضررن أكثر في شخصيتهن من خلال ما يصيبها من مشاعر الدونية والإحباط والقلق والخوف والاكتئاب
3 %30 يتضررن أكثر في حياتهن الأسرية والمنزلية على مستوى تربية الأطفال والمهام والمسؤوليات المنزلية
3 %20 يذهبن إلى أن حياتهن الاجتماعية هي التي تبقى أكثر تأثرا وتضررا من خلال علاقتهن المضطربة مع الاخرين بسبب العنف الزوجي الممارس عليهن.
من خلال المعطيات، ندرك الوضعية الصعبة التي تعيشها الزوجة المُعنفة من خلال التكلفة النفسية والصحية والأسرية الاجتماعية الباهظة على جميع المستويات: الزوجية منها والأسرية والتربوية والعلائقية الاجتماعية، التي تحاصرها وتحرمها من حقوقها الأساسية كزوجة وكربة بيت وكامرأة، وتحرمها بالتالي في حقها بأن تعيش حياة كريمة وسعادة زوجية وأسرية، وتلغي لديها إيجابيات مشروع الحياة المشترك وتحمل المسؤولية ورعاية الأطفال بمحبة وتضحية وعطاء والاعتناء بنفسها وبمهامها وأدوارها الأساسية، وكذلك بشخصيتها ووجودها كامرأة.
t خلاصة
من بين أهم نتائج هذه الدراسة الميدانية حول النساء المُعنفات، هو إجماع كل المُستجوبات على ثقل الكلفة النفسية والمتمثلة في حدة المعاناة والإرهاق النفسي والجسمي ومشاعر عدم الرضى عن الذات، ووضعيتهن كزوجة وكأم وكامرأة من خلال سلوك العنف الممارس عليهن من طرف أزواجهن، ورغبتهن القوية في الطموح إلى حياة أفضل بمواصفات وجودة مشروع الحياة المشترك، خلافا للوضعية الصعبة ومعاناتهن التي يعشنها حاليا. والمتمثلة في صورتهن السلبية عن ذواتهن، التي تغلب عليها مواصفات وصفات الدونية والتبخيس من خلال مقارنة أنفسهن بنساء في وضعية زوجية أفضل مقارنة بوضعيتهن ومعاناتهن.
كما أن نتائج هذه الدراسة على مستوى الشخصية الإرادية للمرأة المعنفة تبين لنا، بأنها تبقى زوجة وامرأة تتحدى هذا الواقع السلبي ومعاناته، الذي تعمل على تدبيره بمرجعية سيكولوجية الشخصية الإرادية والحلم المستقبلي بغد أفضل. وهي مفارقة كبيرة بين واقعهن المعاش من جهة ومشروعهن المفضل والحالم بحياة زوجية وأسرية أفضل من وضعيتهن الحالية من جهة أخرى.
وهذه النتائج جميعها تعبر عن النزعة السيكولوجية المتناقضة والمتجاذبة، من جهة بين حدة المعاناة والكلفة النفسية والرغبة في الخلاص من سلبيات ومعاناة العنف الزوجي ومن جهة أخرى عن الرغبة والتطلع إلى حياة زوجية ومستقبل أفضل تنظر إليه بنظرة ذاتية حالمة وشخصية إرادية مستقبلية رغم تجاهل وإقصاء الزوج والمجتمع لها.
الجمعية المغربية لعلم النفس
ذ : عبد الرحيم عمران
2004
جميع الحقوق محفوظة لموقع مغرب علم النفس
هل أعجبك الموضوع ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire